السبت، 18 فبراير 2012

البريفكشن لله وحده

"البس الشوز يا حماااادة"

" عايز واحد فيتوتشيني ألفريدو .. وزود عليه اكسترا تشيز .. و فرينش فرايز والدرينك يكون كولا .. بليز"
"أنا كان عندي مييتنج في الشغل وبعدين عملت برنت للسي في ورحت انترفيو.. والراجل اتكلم معايا فيالكاريير بلان والباكيدج وبعدين قال لي هنرد عليك في إس ام إس أوmail.."
" أيوة يا مان .. وانت نازل هاتلي الجاكت  وفي جيبه الموبايل وشنطة اللاب توب اللي فوق الفريزر اللي فيالليفينج.. وأنا هعدي علي السوبر ماركت أجيب شامبو وكونديشينر ..وأعدي علي الدراي كلين  أجيب البلوفر وبقية اللبس... بيس؟؟"
صلوا عالنبي يا جدعان.. 
أنا في إحدي مناقشاتي مع صديقي كنا بنتكلم عن موضوع الكتابة بما يسمي "الفرانكو آراب" .. وحصل جدال طويل .. وأنا كان رأيي في النهاية باختصار:
 إن أي واحد يغير لغته ويتكلم لغة ناس تانيين يبقي عيّل سيس و طفلة الحشرة ..

ييجي واحد يقول لي يا واد يا فتح الباب (أو يا فتحي.. أو يا فاتح.. أو يا فتحتح.. أو يا فتّوح.. أو يا باب.. أو يا أُكرة.. أو يا أوبن زا دوور أو يا دوور أو يا اوبن): طيب ما هو اللغة وسيلة للتفاهم.. وبما إني بكلم واحد تاني بألفاظ أو كتابة هو فاهمها .. يبقي بيس و نو بروبليم.. سواء كانت الألفاظ أو الكتابة دي بالعربي أو بالإنجليزي أو بالهندي أو بلغة الواك واك.. 
وهو ده بيت القصيد.. 
يا جدعان كل الناس اللي بتفهم في العالم عارفه إن اللغة مش مجرد وسيلة لنقل الأفكار.. اللغة ليها جوانب كتير جداً أهم كتير من كونها أداة لنقل الأفكار.. اللغة وعاء لحفظ كل مكونات الإنسان الدينية و الإجتماعية و الأخلاقية و التاريخية.. والإنسان اللي بيفرّط في لغته بيخلع نفسه من حاجات كتير قوي أكبر من مجرد حروف و كلمات..
وأنا هتكلم في جانب واحد علي سبيل المثال .. علاقة اللغة بالأخلاق ..

لا شك إن اللغة مرتبطة جداً بنفسية الإنسان و مشاعره.. و الكلمة الواحدة مش بيبقي ليها نفس المعني عند كل بني آدم .. لكن وقعها عليه بيكون مرتبط بنفسيته و تجاربه و خبراته ..يعني مثلا.. كلمة (أبو تريكة) لما يسمعها واحد أهلاوي بتبعث في نفسه شعور بالفخر و الإنتصار و الرأس المرفوعة و فحت المنافسين.. ولما نفس الكلمة (أبو تريكة) بيسمعها واحد زملكاوي بتلاقي نفسيته علي طول بقت عامله زي نفسية هتلر بعد ما اتفحت في الحرب العالمية.. دي شيء لا إرادي بيحصل لأن الكلمة بترتبط بنفسية الإنسان ..واللغة بالطريقة دي مع الوقت بتأثر و بتتأثر بكل قيم المجتمع و أخلاقه.. وهضرب لحضرتكم كام مثل..

(1)
يعني العرب عندهم أسماء مختلفة للعم و الخال..
الإنجليز عندهم الإتنين بمعني واحد
Uncle
العرب عندهم أسماء لإبن العم و ابن الخال .. والإنجليز عندهم الإتنين اسمهم
Cousin
فالعرب بتهتم بالعائلة أو القرابة و بالتالي لغتها لازم تحمل المعاني دي..

(2)
الإنجليز شعب مادي شوية.. فبتلاقي المادية دي بتظهر في لغتهم بشكل واضح جداً .. فعلي سبيل المثال:
لما واحد إنجليزي بيعوز يزور حد بيقول:
Pay him a visit
يعني أدفعله زياره.. ولما بيحب يشكر حد بيقول:
I owe you thanks
يعني عليا دين ليك.. لازم أشكرك.. لما بيحب يرد لحد جميل بيقول:
How can I pay you back?
يعني إزاي أدفعلك اللي انت عملته .. ولما بيقضي وقت بيقول:
Spent my time
يعني أنفقت وقتي ..
وهكذا.. فبتلاقي لغته بتحمل قيمه المادية .. و بعدين بتأثر فيها..

(3)
العرب ناس عاطفيين و حبّيبة.. فبتلاقي عندهم أسامي كتير للحب.. منها:

الحب.. العشق.. الهوي.. الغرام..  الهيام.. التتيّم.. الصبابة.. الجوي.. الكَلَف.. الصبوة.. الشغف.. الوجد.. السدم.. التباريح.. الخلابة.. الشجو..الوصب.. اللهف.. الود.. الوله.. الخلة.. 
وعشرات الأسماء الأخري (وعشرات بجد مش مبالغة
علي حين إن فيه لغات أخري اختزلت الحب بحيث إن كلمة "يمارس الحب" في اللغات دي بقت كلمة عيب..


(4)
اللغة الإنجليزية مثلا ً لغة مباشرة فيما يتعلق بالعورة و الأمور الجنسية .. لكن لغة العرب دايما ًبتكنّي عن الأمور دي بحاجات غير مباشرة مراعاة للحشمة والأدب و الخصوصية.. فبتلاقي مثلاً العلاقة الجنسية عند العرب بيعبروا عنها بطرق كتيرة زي:
 مس امرأته
أتي أهله
وقد أفضي بعضكم إلي بعض
فاعتزلو النساء

فاللغة بتتأثر أولاً بخلق الحياء اللي موجود عند شعب معين.. وبعدين بتأثر في الشعب ده و بتكون وعاء لحفظ الخلق ده ..

(5)
اللغة بتتأثر و تأثر في رقي الإنسان و رقة مشاعره.. زي ما بيحكوا إن شاعر اسمه (علي بن الجهم) راح يمدح الخليفة المتوكل.. وكان راجل بدوي جاي من الصحرا و نزل رشق علي قصر الخليفة.. فقام يمدحه فقال له:

أنت كالكلب في وفائك للعهد
وكالتيس في اقتراع الخطوب

فالناس قالت يا نهار أبيض.. إيه المدح اللي زي وشك ده.. إمشي إنجر من هنا.. فالخليفة قال لهم: بلاش تطردوه.. خلّوه يعيش في بغداد شهر ويرجع لي تاني (وطبعا بغداد وقتها كانت عاصمة الدنيا.. مليانه بالحدائق و المساجد و البحيرات و والأسواق.. كانت بغداد يعني العلم و الفن و الحضارة و الجمال).. فرجع بعد شهر بيقول قصيدة في منتهي الجمال:

عيون المها بين الرصافة والجسرِ
جلبن الهوي من حيث أدري و لا أدري..
خليليّ ما أحلي الهوي و أمره
وأعرفني بالحلو منه وبالمرّ

وبيقول فيها بيكلم حبيبته:

صِليه لعل الوصل يحييه واعلمي
بأن أسير الحب في أعظم الأسرِ


 شوفتوا الحلاوة و الجمال ..
كل دي أمثله وفيه غيرها أمثلة كتير جداً في فكرة إن اللغة بتتشكل مع أخلاق البشر.. وبعدين هي نفسها بتشكل أخلاقهم..

وبعدين نقطة علي جنب.. هو ليه واحد يقول كلمة
meeting
مع إنه ممكن يقول اجتماع..

لأنه (في بعض الحالات طبعا مش في كل الحالات) بيكون حاسس بالنقص.. بيقول في قرارة نفسه: أنا ناقص و سيس عشان كده هتكلم بلغة ناس متقدمين عشان يحترموني..

انتوا عارفين إن الصورة اتقلبت.. زمان في أيام المجد الحضاري بتاعنا كان الواد الأسباني أو الإنجليزي لما بيحب يبان ابن ناس و متعلم تعليم نضيف بيقول كلمات عربية في وسط كلامه..

عشان كده هتلاقي آلاف الألفاظ الأسبانية أصلها عربي..
http://en.wikipedia.org/wiki/Arabic_influence_on_the_Spanish_language
وكتير من الألفاظ الإنجليزية أصلها عربي
http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_Arabic_loanwords_in_English

إيييييييه.. دنيا ملهاش أمان!


وكل ده عن علاقة اللغة بالأخلاق.. والأهم من كده علاقتها بالدين و التاريخ و ىالتقاليد.. والكلام يطول في الموضوع ده..

المهم إن كل الكلام الحلمنتيشي اللي أنا قلته ده عن إن اللغة بتأثر وبتتأثر بالأخلاق.. أجدادنا العظماء فهموه.. والإمام أبو منصور الثعالبي (توفي 430 للهجرة.. من ألف سنة!!) وهو أحد أئمة اللغة.. يقول في مقدمة كتابه (فقه اللغة وسر العربية):

((والإقبال على تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين، وسبب إصلاح المعايش والمعاد. ثم هي لإحراز الفضائل، والاحتواء على المروءة وسائر أنواع المناقب، كالينبوع للماء، والزند للنار (( 
اللهم بلغت
اللهم فاشهد!
 احمد فتح الباب  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق